إنّ التّربية باعتبارها أداة لهداية البشر ولتطويرهم ولتهذيب مَلَكاتهم الباطنيّة هي أسمى أهداف الرّسل العظام منذ بداية العالَم. وقد أعلنت التّعاليم البهائيّة بأفصح العبارات أهميّة الإمكانيّات التّربويّة غير المحدودة. فالمعلّم أقوى عامل في بناء المدنيّة، وأنّ عمله أسمى عمل قد يطمح إليه النّاس، وتبدأ التّربية من رحم الأم ثمّ تبقى ببقاء حياة الفرد، وهي من المستلزمات الدّائميّة للحياة الصّحيحة وأساس السّعادة الفرديّة والاجتماعيّة. وعندما تصبح التّربية الصّحيحة عامّة بين الجميع تتحوّل الإنسانيّة وتتغيّر ويصبح العالَم جنّة النّعيم.
والرّجل المهذّب تهذيبًا صحيحًا شيء نادر في الوقت الحاضر وظاهرة قليلة الوجود، لأنّ كلّ إنسان لديه تعصّبات باطلة ومُثُل عليا مغلوطة وإدراكات غير صحيحة وعادات ذميمة نشأ عليها منذ صباه. وما أندر الّذين تربّوا منذ طفولتهم على محبّة الله بكلّ قلوبهم وأوقفوا حياتهم له، فاعتبروا خدمة الإنسانيّة أسمى مقاصدهم في الحياة، وطوّروا مَلَكاتهم الفرديّة إلى ما ينتفع به المجموع خير انتفاع! حقًّا أنّ هذه هي العناصر الأساسيّة للتّربية الصّحيحة. وإنّ مجرد شحن الذّاكرة البشريّة بحقائق عن الرّياضيّات وقواعد اللّغات الجّغرافيّة والتّاريخ وغيرها أمر له تأثيره الضّعيف في خلق حياة نبيلة نافعة. ويوصي
حضرة بهاءالله أنْ تكونَ التّربية تربية عموميّة ففي الكتاب الأقدس يقول بالنّص:-
ويقول في لوح الدّنيا ما ترجمته:-
إنّ وجهة النّظر البهائيّة حول طبيعة الطّفل ترى أنّ الطّفل ليس شمعًا يصّب في قوالب مختلفة حسب الأشكال الّتي يريدها المعلّم، بل إنّ الطّفل منذ بدايته له خصائص أعطاها الله، وله شخصيّة فرديّة يمكنها أنْ تتطوّر إلى أحسن ما ينتفع به بأسلوب معيّن، وذلك الأسلوب فريد من نوعه في كلّ حالة من الحالات، ولا يتشابه إنسانان في القابليّات والمَلَكات. ولا يحاول المربي الصّحيح أنْ يصبّ طبيعتين متفاوتين في قالب واحد. والواقع أنّه لا يحاول أنْ يصبّ أيّة طبيعة في أيّ قالب. بل يرمي بكلّ احترام إلى تطوير قدرات النّاشئين فيشجعهم ويحميهم ويمدّهم بالتّغذية والمعونة الّتي يحتاجونها، ويشبه عمله عمل البستاني الّذي يرعى النّباتات المختلفة، فأحد النّباتات يحبّ أشعة الشّمس السّاطعة، والآخر يحبّ الظّل البارد الظّليل، وأحدها يحبّ أن ينمو فوق حافّة مجرى مائيّ، والآخر يحبّ تربة جافّة، وأحدها ينمو فوق تربة رمليّة شحيحة، والآخر ينمو فوق تربة صلصاليّة غنيّة، لكنّ كلّ واحد منها يجب أنْ ينالَ ما يحتاجه، وإلاّ فإنّ كمالاته لا يمكن أبدًا أنْ تظهرَ وتتجلّى. ويقول حضرة عبدالبهاء في "لوح التّربية" ما ترجمته:-
إنّ الأمر الهام جدًا في التّربية هو التّربية الأخلاقيّة. وهنا تكون القدوة اكثر نفوذًا من العقيدة. فحياة الآباء وأخلاقهم وكذلك حياة المعلّمين والرّفاق المعاشرين عوامل مؤثّرة لها فعلها ولها أهميّتها ولها أثرها.
إنّ رسل الله هم عظماء المربين للعالم البشري، وإنّ نصائحهم وقصص حياتهم يجب أنْ ترسخَ في عقل الطّفل حالما يستطيع الطّفل إدراكها وبصورة خاصّة كلمات
حضرة بهاءالله المربي الأعلى للإنسانيّة الّذي أنزل المبادئ الأساسيّة الّتي يجب أنْ تشاد عليها مدنيّة المستقبل فيتفضّل في الكتاب الأقدس بالنّص:-
إنّ تعلّم العلوم والفنون والصّنائع والحرف النّافعة ضروريّ وهام، فيقول حضرة بهاءالله في لوح التّجليات ما ترجمته:-
ملاحظة: استعمل "منتخبات من کتاب بهاء الله والعصر الجديد"، الطبعة الاولی، مترجمة عن الطبعة الانجليزية الثالثة الصادرة عن مؤسسة النشر البهائية في ويلمت، الينوي سنة ۱۹۷۰.